الانتعاش الاقتصادي في سوريا بعد الأسد: دروس من الكساد الكبير
أفكار للتعامل مع الأزمة الاقتصادية في سوريا
الوضع الاقتصادي في سوريا يتطلب خطط عاجلة وأفكار يمكن تطبيقها على المدى القصير. هذا ما جعلني أنظر لسياسات الدول وكيفية تعاملها مع الكساد الاعظم (The Great Depression) في 1929. أبرز ما وجدته مثيراً للاهتمام هو الصفقة الجديدة التي أطلقها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزيڤيلت، وهي عبارة عن مجموعة من البرامج المحلية ومشاريع العمل في المجال العام، بالإضافة إلى الإصلاحات والقواعد الاقتصادية.
كيف تعامل روزيڤيلت مع الاقتصاد عندما استلم رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية في 1933 حينما كان عدد العاطلين عن العمل في بلاده 15 مليون شخص؟
في 1935 أسس روزيڤيلت إدارة تقدم الأعمال (Works Progress Administration) والتي قامت بدورها بخلق فرص عمل لبناء مشاريع بنية تحتية: مدارس و جسور وطرق وحتى مطارات. الهدف الأساسي كان إعطاء الفئة العاطلة عن العمل ما هو أهم من المساعدات: عمل يضمن رد الاعتبار في ظل سوداوية الفترة التي مروا بها. وعلى هذا الأساس كانت فرص العمل المعروضة تركز على إعطاء المجال للمساهمة في عمل ذو قيمة و أثر طويل، فتم التركيزعلى بناء البنية التحتية والأعمال المفيدة للمواطنين والبلاد.
خلال ثماني سنوات نجحت الإدارة في توظيف 8.5 مليون إنسان رغم التقليل من قيمتها ودورها من قبل الكثيرين آنذاك. رغم أن ما أخرج الولايات المتحدة الأمريكية من الكساد في نهاية الأمر كان الإنفاق والصناعة اللتان نميا بسرعة بسبب متطلبات الحرب العالمية الثانية، إلا أنه لا يمكن إنكار دور إدارة تقدم الأعمال في تحريك الاقتصاد لسنوات عدا عن تدريب أعداد ضخمة من العمال للتعامل مع متطلبات الحرب.
كما يقول الكاتب نيك تايلور في كتابه “صُنع في أميركا: الإرث الدائم لإدارة تقدم الأعمال: عندما جعل روزفلت الأمة تعمل”: “لقد وضعت إدارة روزفلت رهاناً خارقاً على الناس العاديين”.
لربما من أفضل ما تمتلكه سوريا اليوم هو تفاؤل ما بعد سقوط النظام الذي نراه اليوم يدفع بالكفاءات إلى سوريا بحثاً عن مساحة لتقديم قيمة مضافة. لا ينبغي علينا الاستهانة بهذه الموجة من الاهتمام بسوريا. بل على العكس، علينا إدراك الفرصة التاريخية أمامنا. في كتابهما الجديد “ازدهار” يتحدث بيرن هوبارت وتوبياس هوبر عن دور ما يدعونه بالفقاعات في التقدم والابتكار.
”من خلال خفض النفور الجماعي من أخذ المخاطرات، والإفراط في تمويل التجارب، وتنظيم الأفراد أصحاب المبادرة و الفعالية العالية حول مهمة سامية، تشكل الفقاعات المفتاح لتحقيق مستقبل مختلف جذرياً عن الحاضر”
هذا ما نراه في سوريا اليوم. هناك اهتمام محلي وإقليمي وعالمي غير مسبوق. ورغم الدمار الهائل و العقوبات المقيدة للاقتصاد والاستثمار، الجاليات السورية في الخارج تزورالبلاد متعطشة للعمل والبناء. ومنهم من قرر البقاء والعمل فعلاً. كما أنه يوجد مستثمرين مهتمين ببناء المشاريع الجديدة. نحن إذاً أمام فرصة تاريخية لكتابة واقع جديد.
من أين نبدأ؟ ومن أين لسوريا بموارد تطلق مشاريع قادرة على خلق فرص عمل تقدم قيمة مستدامة وتطلق عجلة الصناعة الثقيلة (مفتاح التقدم الحقيقي)؟ علينا الابتكار في زيادة وإدارة ما يصب في البلاد من موارد بدءاً من مساعدات إعادة الإعمار والتعافي المبكر وصولاً للاستثمارات (وضرورة جعل الأخيرة مشروطة بتنمية القدرات المحلية). علينا أيضاً الرهان على التفاؤل الذي يوحد الجهود و يقويها.
وعلينا ألا ننسى الإرث الذي تركه نظام الأسد من انتهاكات حقوق الإنسان بما يشمل المجال الاقتصادي و انتهاكات حقوق السكن والأرض والملكية. أي مشروع إنساني أو استثماري عليه أن يبدأ ببذل العناية الواجبة لحقوق الإنسان لتلافي تضخيم أثر الانتهاكات ولتلافي زيادة الظلم الواقع على من يعمل لاستعادة ما فقده بسبب انتهاكات نظام الأسد من تهجير قسري ودمار واستيلاء على الأملاك.